إن المادة شكل مكثف من الطاقة أو الروح – والروح هي شكل خفي من المادة أو الجسد. إن أجسادنا مؤلفة من المادة التي هي عبارة عن هذا الكم الهائل من الذرات التي تتحرك وتتحول بسرعة فائقة. أما هذه الذرات فهي تتألف بغالبيتها من هذا الفراغ الذي تحركه الجزيئيات ال ما قبل ذرية. إن هذه الجزيئيات هي عبارة عن شحنات مكثفة من الطاقة ليس لها أي دليل مادي.
لهذا, في الواقع, يمكننا النظر الى الجسد على أنه دفق من الطاقة والتحولات. فهو يعيش في حالة فورية ومستمرة من الحركة والتحول الدائم.
إن “سر التكوين” لهذه الحياة هو نتيجة هذا الدفق الهائل من الطاقة السماوية والأرضية معاً. فالشمس تمدنا باستمرار بدفق من هذه الطاقة اللولبية التي يعرفها العلماء بالرياح الشمسية التي تتصادم مع الحقل المغناطيسي لكوكب الأرض, مما ينتج عنها هذه الطاقة المرئية الهائلة أو هذه الهالة الجميلة التي تحيط بكوكب الأرض وتشع منه نوراً. فعلماء الفلك على علم بحقل هذه الطاقة المرئية والتي يصفونها بالجو المغناطيسي للأرض. لهذا نقول أن الكون في حالة تكونية أبدية مستمرة منذ الأزل, فهو يكوّن نفسه بنفسه, وكما أن ليس له بداية, فهو بالطبع ليس له نهاية.
إن الطاقة المنبعثة من الشمس تفوق الطاقة المنبعثة من الأرض بسبع مرات. هذا ما يدفع بالطاقة الأرضية الى التجمع والبقاء في محيطها الجوي الذي يدعوه العلماء بالحقل الجوي المغناطيسي للأرض والذي يشبه رأس الإنسان. كما أن الطاقة المنبعثة من مجرة درب باب اللبانة تفوق الطاقة المنبعثة من نظامنا الشمسي هذا بسبع مرات, مما يشكل أيضاً حقلا هائلا من الطاقة الإلكترومغناطيسية والتي إذا ما نظرنا إليها بشكلها المتكامل سوف نحصل على جسم كامل من الطاقة (هالة) يشبه جسم الإنسان بشكله. هذا ما يفسر القول الشهير الذي ينص على أن الله خلق الإنسان على صورته ومثاله.
لهذا نقول أن الإنسان جزء اً لا يتجزء من هذا النظام الكوني الذي هو نظام الله الكوني بكل موضوعية وبساطة, حيث هناك سبع أبعاد لهذا العالم الروحي الذي ننتقل من خلاله كضمير كوني في هذا الوجود الأعظم لنتجسد وننمو ونتطور الى أن نصل ونتحد مع اللانهاية ونعيش هذه الحالة التي نسميها “اللانهائية الإلهية.”
مقاربتان للعالم الروحي:
الرضى والتسليم لهذا النظام الكوني, أو نظام الله بدون شروط أو تحفظات, لأن حالتنا اللانهائية بالواقع هي في أمان. فليس هناك حاجة الى القلق على حاضرنا أو مستقبلنا. إن الإستكبار والأنانية, الكبرياء والتعجرف, الخوف والغضب هما لصغار النفوس الذين يضعون الحواجز بينهم وبين هذا الوعي الكوني الأكبر. لهذ, لماذا لا نسلم أمرنا لهذه الإرادة الكونية أو الله؟ لنتمكن من تحقيق هذ, نحتاج الى تليين صلابة عقولنا وتطهير أجسادنا أولاً.
إن هذا المنحى من الرضى والتسليم الكامل لهذا النظام الكوني أو نظام الله هو الطريق الأسهل لإختبار النمو الروحي, لأن كل شيء هو تجلّي من عند الله أو الروح. لهذا, كثيراً ما كان القدماء يتبعون هذه الطريقة البسيطة في حياتهم.
أما المقاربة الثانية والتي هي متممة للمقاربة الأولى فتقول أن الكل يعيش في قلب الله وأن كل شيء هو تجلّي لهذه الطاقة الإلهية المطلقة.
فليس هناك أنا بمعناها الصغير, بل هناك تجلّي إلهي في كل فر د منا وإن الله هو الكلّ, أي الألوهية المتجلية فينا. لهذا, كثيراً ما كان القدماء يصفون هذه الطريقة بالطريقة الصعبة.
لهذا, نرى أن البشر الذين يعيشون في مناطق أكثر “ين” يفضلون مقاربة الإختبار الروحي بالطريقة الأولى. علماً أنه تم إتباع الطريقة الأولى بكثافة في المناطق الدافئة من هذا العالم. لهذا, قام النبي محمد باتباع هذه الطريقة مع أتباعه.
أما البشر الذين يعيشون في مناطق أكثر “يانغ” فيفضلون مقاربة الإختبار الروحي بالطريقة الثانية التي هي الأصعب. لهذا, قام المسيح وبودا باتباع الطريقة الثانية, حيث قاما بالصوم الصحي والتأمل للبحث عن الذات الكونية للمعرفة الحقيقية. علماً أنه كان للمسيح وغيره معلمين, كيوحنا المعمدان مثلا, إلا أن إكتشافه للأبعاد التي وصل إليها تم بإتباع الألوهية التي إكتشفها بذاته داخل كينونته.
من الحكمة أن نتعرف على هاتين الطريقتين ونختبرهما, لأن الأولى محفزة لعدم الإستسلام الى الإستكبار وسيطرة العقل. أما الثانية فستساعدنا على إكتشاف الذات الواحدة الموحدة. فكلاهما طرقٌ صالحة وأساسية للوصول إلى هذا التوازن والتناغم الروحي.
لهذا, نرى تقليداً منتشراً في معظم الديانات الروحية والحضارات القديمة وهو الجلوس على الأرض أو الركوع والإنحناء الى الأمام وتقبيل الأرض أو أطراف الوالدين, المحبين والمعلمين. فالمسيح إنحنى وقبل أرجل تلامذته. كما أن الشرقيين ما زالوا يقومون بالإنحناء لبعضهم البعض الى يومنا هذا, حتى قبل وبعد التحديات والمبارزات في الفنون القتالية. فإن دل هذا على شيء, فإنه يدل على إتباع هذه الطرق الموحدة في نبذ وتبديد الإستكبار والأنانية والتخلص من هذه الأنا الصغيرة, والتشديد على هذه الأنا الكونية التي هي مصدرنا الحقيقي الواحد المتواحد. إنها إحدى الطرق الفعالة التي تعلمنا أن نقول “نعم” للحياة بكل رضى وتسليم وتواضع.
تأكيد وحدتنا مع الكون:
إن الكون مليء بهذه الذبذبات التي تنبعث من كل ذرة من مكوناته, إن كانت مادية أو روحية. فهي تعبر عن حالها بإطلاقها وتكثفها لهذه الذبذبات. كما أننا نعرف جيداً أنه لكل شيء متحرك صوت, ولكل صوت ذبذبات. ونعرف أن ليس هناك شيئاً راكد أو غير قابل للنمو والتحول في هذا الكون. فالأرض تدور حول نقسها وحول الشمس. لهذا نقول أن للكون صوت وذبذبات لإنه دائم الحركة والتحول, لكن لا يمكننا سماعه لأننا تعودنا أن نسمع فقط هذا الضجيج الذي أنتجته حضارتنا وصنعته أيدينا. لكن عندما نتوحد ونتاغم مع أنفسنا ومع هذا الوجود الكوني والصمت الأكبر, ستزداد حساسيتنا الروحية لإلتقاط هذه الذبذبات الكونية التي نحن فقط إحدى السابحين في فضائها. كما أنه سنتمكن من التواصل مع هذا النظام الكوني عبر الذبذبات التي تنتج عن كل نية أو صوت أو عمل نقوم به, بغض النظر عن إيجابيته أو سلبيته, لأنه بالحقيقة لن يكون معبّراً إلا عن حالتنا ومستوى وعينا الفردي في هذه المرحلة من حياتنا.
الرؤية الداخلية والخارجية:
إن جسم الإنسان صورة طبق الأصل عن هذا الكون. ففي جسدنا أيضاً الماء, الهواء, الحرارة, العناصر والمعادن, الخلايا, الطاقة الإلكترمغناطيسية, الذبذبات, الفضاء, والبلايين من الذرات التي هي فارغة بمعظمها من الداخل.
وكلما تأملنا بأنفسنا وجدنا فضاءً داخلياً أعمق وأعمق وأبعاد اً لا تنتهي. فهذه الرؤية الداخلية تتشابه الى حد كبير مع هذه الرؤية الخارجية التي نختبرها خلال رحلاتنا الروحية الى البعد الآخر. فكما أن طبيعة جلدنا مكونة بإبداع لتتناغم مع أجواء جسدنا الداخلي والخارجي في ذات الوقت, فإن أنفسنا مكونة بشفافية فائقة لتتناغم مع العالم الداخلي والعالم الخارجي لهذا الكون ونظامه المتكامل.
الرؤية الداخلية:
يمكننا تحفيز رؤيتنا الداخلية عن طريق التأمل. إجلس على الأرض بشكل زهرة اللوتس النصفية, حافظ على ظهر مستقيم وأكتاف منفتحة ورقبة مرتاحة وتنفس هاديء وطبيعي. ضع كفيك على الجزء الأعلى من الأوراك في وضعية منفتحة ومريحة لا تتعدى 45 درجة, ثم قم بوضع مؤخرة كف اليد اليسرى في كف اليد اليمنى الى أن يتلامس الإبهامان مع بعضهما البعض.
أغلِق جفنيك وحاول أن لا تعطي إنتباهك لأى صوت يمكن سماعه وأنت في هذه الوضعية. دع تنفسك الآن يصبح أهدأ وأهدأ. ركز على توجيه العينين بالإتجاه السفلي, بدون التركيز على مشهد معين.
الآن, كوِّن صورة عن ذاتك الخفية وهي تدخل من أنفك الى أسفل منطقة الأمعاء وأعضائك الجنسية, ومنها صعود اً الى الرئتين والقلب, ثم الى كل أنحاء جسدك وأطرافك وخلاياك, الى أن تصل الى فضائك الداخلي. كرر هذا مع كل نفس تأخذه دون التركيز على إتباع التفاصيل ذاتها في العودة الى نقطة الإبتداء.
إن هذا سيمكننا من تكوين رؤية تأملية لحقيقة ذاتنا الكونية بتقرب وحميمية أكبر مع ذاتنا الكونية.
الرؤية الخارجية:
يفضل بعض الناس هذه الطريقة في التأمل. فمن خلال هذه الطريقة تبقى الجفون نصف مغلقة, بدون التركيز البصري أو السمعي على أي شيء أرضي أو بيئي تحديداً, إنما فقط التركيز على هذه المقدرة في سماع صوت الذي لا صوت له, ورؤية الشكل الذي لا شكل له. إنها عبارة عن رحلة روحية تدخل أحاسيسنا من خلالها في مسارات فضائية مجرية للشمس والكواكب والنجوم, لنعود كالأطفال الرضع الذين لم يتسنى لهم بعد أن ينسوا عالمهم الروحي الذي أتوا منه. ولكن سيحتاج منا هذا الى الكثير من الوعي, والتبصر والخروج من العالم الجسدي وأحاسيسه المادية.
الإحساس بالعالم الآخر:
يمكننا إستعمال حواسنا الخمس لتحفيز وعينا ومقدراتنا على الإحساس بالعالم الآخر. فبالتأمل والرؤية الخارجية, سيكون تركيزنا غير محصور على الشكل المادي للصورة, إنما على الصورة الكاملة المتكاملة لحقيقة الأشياء, لأننا سنتحسسها ككتلة من الذبذبات. فهذه ستكون البداية بالنسبة لنا لرؤية الهالة البشرية أو الحقل الذبذبي الذي يحيط بالجسد. فعندما يتحرك الجسد تبقى ذبذباته في مكانها لبضع دقائق قبل أن تتحرك وتلحق به أو تتبدد.
إن هذا البعد الروحي للأشياء المادية سيفتح لنا آفاقاً نتخطى بها المفهوم المادي للصحة والمرض. إنما سيكون لدينا رؤية متكاملة للأمور المادية والروحية معاً مما سيجعلنا أكثر تفهماً وأكثر وضوحاً في التعامل الواعي معها.
وهذا ينطبق أيضاً على حاسة السمع والتذوق. فمثلاً مع عملية المضغ التي نقوم بها لمختلف أنواع الأطعمة, تذوب هذه الأطعمة تاركة وراءها ذبذباتها في فمنا, حيث سيكون لهذه الذبذبات طعم وإحساس بغض النظر عن نوعية هذا الطعام ومكوناته الغذائية.
المحبة والعدالة:
إن المحبة والعدالة هما حالتان مكملتان لبعضهما البعض. فالإفراط في المحبة وحدها سيفسد التوازنات العاطفية عند البشر, أما العدالة بدون محبة فستكون عدالة لا رحمة فيها ولا إنسانية. مع هذا التوازن الإيجابي للمحبة والعدالة ستترسخ وتقوى هذه الصلة الحميمة والروابط الحقيقية بين أبناء هذه الأرض.
لذا يجب علينا التعامل مع أخوتنا البشر بكل محبة وعدالة, لأننا جزء لا يتجزء من هذا العالم الكوني الذي لا يميز بين إنسا ن وآخر. إن الإنسان الذي يبخل على أخوته البشر التواقين للعلم والمعرفة سيصاب حتماً بالغرور والإستكبار, مما سينعكس في مرحلة من المراحل سلباً عليه وعلى البيئة البشرية أجمع. فعلى سبيل المثال, من الضروري أن يتعلم الجميع فن الطبخ الصحي والأكل الطبيعي. علماً أن هذا لن يستغرق أكثر من ستة أشهر من مجمل حياتنا الأرضية, لكنه سيساعدنا على نشر الألفة والمحبة والسلام والسعادة والصحة في عالمنا هذا.
عالِم الماكروبيوتيك الروحي الكبير، ميتشيو كوتشي في أبعاد الأكوان ورحلة الإنسان الأبدي.
المقالة منقولة للإستفادة والتثقيف...
ملاحظة:كما ذكرت وأذكر دائماً, بأن هدفي من الموقع ومن الكتابة هي تزويدكم بالمعلومات, هناك من يوافق وهناك من يعارض على كتاباتي وهذا منطقي جداً. ومن منطلق حرية التعبير عن الرأي وإحترام الرأي الآخر أدعوكم للكتابة والنقاش البناء للمساهمة في بناء مجتمع مثقف وحضاري.
لكل موضوع فائدة... ومع كل فائدة متعة...
وفي النهاية أتمنى لكم ولجميع أفراد عائلاتكم الصحة والعافية.
مركز العلاج البديل هو الأول والوحيد في المجتمع العربي في البلاد...
نقدم من خلاله العلاج الفردي والجماعي.. ننظم دورات مهنية في الداخل وبدول عربية مختلفة...
لا تترددوا بالإتصال معنا على الهاتف
محلي: 0503133766 دولي: 00972503133766
أو على البريد الإلكتروني في أسفل الصفحة. بالنجاح للجميع...