بداية وقبل الغوص في هذا الموضوع, دعونا نعرّف هذين المصطلحين الحياة والموت.
الحياة: تعتبر الحياة حالة تُميّز جميع الكائنات الحية من بني البشر والحيوانات والنباتات والبكتيريا والجراثيم أيضاً, حيث تميزه على قدرته بالنمو والتكاثر لضمان الإستمرار. والذي يميز جميع هذه الكائنات الحية هي الخلايا إذ تعتمد على الكربون والمياه من أجل الإستمرار.
بعض تعريفات الحياة تقتصر فقط على شرط إمكانية التكاثر وإنجاب نسل. في بعض المصادر, الحياة هي الإنسانية, كما هو الإنسان الذي يحترم نفسه ويعلم لها الكرامة والأخلاق وحسن المعاملة مع جميع الثقافات والحضارات بالمعرفة وليس بالجهل.
الموت: هو حالة توقف الكائنات الحية نهائياً عن النمو ومتابعة النشاطات الحيوية والوظيفية مثال التنفس والأكل والشرب والتفكير والحركة وإلخ.
من الناحية الدينية: الموت هو عبارة عن خروج الروح من جسم الإنسان وإنتقالها إلى مرحلة أخرى. وأغلبية الأديان لا تحدد ماهية الروح هذه والكل يقول بأنها من أسرار الله عز وجل.
يؤمن أتباع الديانات السماوية الموحدة, كاليهودية والمسيحية والإسلامية بأن هناك حياة أخرى بعد الموت تعتمد على إيمان البشر أو أفعالهم, فينالون العقاب في النار أو الثواب في الجنّة وبأن الروح هي من علم الغيب عند الله وتدعو لإحترام الروح والجسد بعد الموت. ويؤمن أتباع الديانة الهندوسية والبوذية بدورة من الولادة, الموت وإعادة الولادة ولا يخرج منها الإنسان إلا بالوعي الكامل لحقيقة الوجود. وتؤمن ديانات أخرى بتناسخ الأرواح كالهندوسية والعلوية واليزيدية والإسماعيلية وطائفة الموحدون الدروز.
في مقالتي السابقة بعنوان "التقمص وتناسخ الأرواح" كنت قد تطرقت إلى سؤال جوهري ومهم جداً بنظري وبنظر كثيرين منا وهو: أين تتواجد الروح بعد الموت ؟؟؟؟؟ الكثيرون منا يؤمنون بيوم القيامة - بالجنة والنار - وهناك من يؤمن بالتقمص وتناسخ الأرواح على أشكالها وأنواعها الأربعة: النسخ والفسخ والرسخ والمسخ, وقسم لا يؤمن لا بهذا ولا بذاك .
بالإضافة إلى هذا السؤال أود طرح سؤال آخر وهو: ماذا يحدث لنا خلال وبعد الموت ؟؟؟؟؟
إن الموت هو من أكبر الأسرار في الكون وربما يكون السر الأكبر على الإطلاق بالإضافة إلى سر الروح من أين تأتي ولأين تذهب بعد الموت.
الإنسان بطبيعته ينفر من الموت, لأن هناك في داخله شعلة الخلود والأبديّة. بالطبع, كثيرون من الناس ينفرون من الموت بسبب مفاهيم سيئة ويعتبرونه نتناً ككلَّ نقاش له علاقة به. بينما الموت هو الحدث الأكيد والوحيد الموجود في العالم ومع ذلك هناك أناس كثيرون لا يريدون أن يسمعوا من أحد كلاماً عنه وعليه.
لمْ يوجد الموت في حياة الإنسان منذ البدء, فالإنسان الأول كان قابلاً للفساد ولعدم الفساد, أيّ بإمكانه أن يموت وبإمكانه ألاّ يموت. إن يحفظ وصايا اللّه لن يموت, وإن يُخالفها سيقبل الموت. الموت إذًا ثمرة الخطيئة وهذا ما حصل لجدينا آدم وحواء طبعاً من الناحية الدينية.
الله عندما خلق آدم وحواء, خلقهما بصورة ملاك أي بالشكل والجسد الروحاني, ولكن عندما أكلوا من ثمرة المعرفة تحولوا إلى الجسد المادي الفيزيولوجي. والثمرة هنا هي رمز للمادة لذا فإن الفرق بين الإنسان والملاك تنبع بوجود التشاكرا أو مركز الطاقة الثالثة وهي البطن والذي يرمز للمادة, لذا فعند موتنا ننتقل ونرجع إلى شكلنا الأساسي وهو الشكل الروحاني للجسد وليس للشكل الفيزيائي والمادي للجسد.
لكن قبل الغوص في عمق هذا الموضوع, دعونا نتساءل بسؤال فلسفي بسيط وهو: لماذا يولد الطفل وهو يبكي؟؟؟ ولماذا عندما ننظر إلى أي ميّت أو متوفي نراه يبتسم ؟؟؟ والجواب يمكن أن يكون أكثر بساطة مما نفكّر. الطفل يبكي ربما بسبب مجيئه إلى الأرض ويبتسم لأجل خلاصه منها وتوجهه إلى خالقه وأبيه الحقيقي.
والسؤال التالي: هل فعلاً الجنة والنار موجودة وأرواحنا تنتقل إلى هناك وننال الثواب أو العقاب؟؟؟؟؟؟ أنا شخصياً لي الثقة الكاملة بربنا وإلهنا الكريم الله بأنه لم ولن يرسل أولاده إلى الجحيم أو النار. وأثق به ثقة عمياء ولا تحتاج إلى إثبات, بالذات بأننا مولودون على شكله كما ذكر بالكتب السماوية الموحدة (أي الموحدة بوجود الله). وكان الله قد أرسل إبنه الحبيب السيد المسيح وإفتداه بنا. وإذا أخذنا أبسط مثال وبدون أن نشبّه أنفسنا بالرب والله المحب, إذا أخطأ أحد أولادنا أو أبناؤنا وإرتكب أي ذنب كان كبيراً أو صغيراً تجاهنا, فهل نحرقه أو نعدمه أو نمنع عنه الحياة. بالطبع لا, بل نعطيه الفرصة الواحدة تلوى الأخرى مثال "الإبن أو الولد الضال من الكتاب المقدس". فإذا كنا نحن هكذا نفعل فهل نتوقع من الله وربنا المحب والذي وُصف بالكتب السماوية بأنه المحبة, بمعاقبة أبنائه ورميهم بالنار والجحيم ؟؟؟؟؟ الجواب عندك عزيزي القاريء.
بديهي أن قسماً من القراء لن يوافقني الرأي وهذا طبيعي جداً, ولكن أنا هنا أطرح موضوع أو فكرة ولا أطلب الموافقة أو عدم الموافقة عليها ولكني وبتواضع أعطي المجال للتحرر والتفكير من أفكار ومعتقدات وأمور أخرى تعلمناها ولم نقف للحظة للتفكير بها وكأنها من المحرمات.
كُتبت الكثير من الكتب والمقالات المهنية والتي إهتمت بموضوع الحياة بعد الموت وذلك من خلال آلاف الأشخاص من جميع أنحاء العالم والذين فارقوا الحياة لدقائق معدودة وبقدرة إلهية عادوا إلى الحياة ليخبرونا بما حصل في هذه المرحلة.
كثيرون منا كانوا قد لازموا مريضاً عزيزاً على فراش الموت وكنا نتألم لوجوده في إغماء الموت (الكوما) وننظر إليه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة ونتألم لما يحصل له. ولكن حسب الشهادات التي رويت من قبل المئات والألوف ممن مروا بمثل هذه التجربة, فإن هؤلاء الأشخاص لم يشعروا بأي ألم أو بأي صعوبة كانت حين إنتقلوا من الجسد الفيزيائي والمادي إلى الجسد الروحاني. إذ أنه وعند الإنتقال إلى الجسد الروحاني نكون مثل الملائكة فنحافظ على شكلنا الطبيعي ولكن نتخلص من شكلنا المادي والفيزيولوجي والكيماوي.
عند الوفاة الحقيقية وعندما يُسلّم الإنسان روحه فإن روحه تمر بعدّة مراحل, من أهمها بأن الروح لا تشعر بأي ألم كان, وروحه تكون شاهدةً على موته وعلى محاولات إسعافهِ وإنقاذهِ إذا أمكن هذا, ويلتقي في المرحلة الأولى بمعارفه وأقربائه الذين يحضّرونه ويرافقوه إلى التالي أو المرحلة المقبلة, وفي كثير من الأحيان إذا سمعنا الشخص المتوفي وهو في حالة الكوما يتكلم أو يلفظ كلمات أو أسماء معينة فهو بالفعل يفعل هذا, إذ يقوم بالتواصل الروحاني مع ممن قد توفوا من قبله. بعد الوفاة بلحظات يشعر ويرى هذا الشخص وكأن نور من السماء هبطت عليه وإنفتح دهليز من النور تعبره الروح من خلاله, لتُصقل وتُهذّب وتمر أمامه سيرة حياته الكاملة خلال ثوانٍ معدودة مثل المرآة. ويرجع إلى جسده وشكله وصورته الحقيقية وهو الجسد الروحاني. يجب الإشارة بأن الهالة الموجودة حول الإنسان تبدأ بالإنقراض والإختفاء والإنطفاء 3 أيام قبل موته وليس مهم سبب الموت.
هذه الأوصاف ذكرت في بعض الكتب السماوية والفلسفية أذكر منها الإنجيل المقدس وكتاب الموت عند شعب التيبيت وكتابات أفلاطون.
فقد جاء فيالإنجيل المقدسفي إنجيل يوحنا 5:9 عن السيد المسيح :"ما دمت في العالم فأنا نور العالم". فهل هذا النور الذي يرونه الأموات عند عبور الدهليز والذي يستقبل المتوفي هو نور السيد المسيح وهذا الصوت الذي يسمعونه هو صوته أيضاً !!!!! وعند وفاة شخص ما عند الطائفة المسيحية تتلى عليه صلاة الجنازة بهذا القول: "حيث لا وجعٌ, ولا حزنٌ ولا تنهد بل حياة لا تفنى".
أفلاطون والذي عاش بين سنة 428 إلى 348 قبل الميلاد آمن بضرورة العقل والفكر المنطقي للوصول إلى الحقيقة والحكمة, وإعتبر الجسد الفيزيائي كطبقة روحانية مؤقتة. وناقش كيفية إنفصال الروح عن الجسد للإلتقاء والتحدث مع الأرواح الأخرى. ويشير أفلاطون أيضاً إلى أن الروح المنفصلة عن الجسد تستطيع التفكير والإستنتاج بعمق ووضوح أكثر مما كانت عليه في الجسد الفيزيائي. والنتيجة التي يخلص إليها أفلاطون هي أن أرواحنا لا تستطيع رؤية الحقيقة ما دامت قابعة وراء إفتراءات وأوهام الأحاسيس الفيزيائية.
أماكتاب الأموات عند التيبيتوالذي كتب في نهاية القرن الثامن قبل الميلاد, ذكر بأن الموت هو فن من الفنون, فالوفاة قد تأخذ شكلاً وطابعاً إلزامياً أو عفوياً أو إختيارياً, وذلك حسب إستعداد الشخص للوفاة. وكان يُقرأ من كتاب الأموات في مراسيم التشييع على المتوفي لهدفين: الأول لمساعدة المتوفي على معايشة بعض الظواهر غير العادية خلال لحظة الوفاة. والثانية لمساعدة الأحياء في تصحيح الآراء وسلامة الفكر فيما يخص الموت, وذلك لعدم الإمساك بالمتوفي بالإنفعالات والحب, والسماح له بالمضي في حالة روحانية سليمة وخالية من كل شائبة أو قلق أو إضطراب فيزيائي. ويصف كتاب التيبيت النور الذي يلاقي المتوفي بدقة ووضوح, فهذا النور يشع بالحب والحنان فقط, كما يتحدث عن المرآة التي تعكس حياة الإنسان كلها وأفعاله الحسنة والسيئة.
لذا فحالة الموت هي مرحلة من المراحل التي تمر بها الروح وليس بالضرورة بأن الموت هو شيء سيء, فإن الموت هو حقيقة مؤكدة ومرحلة مهمة في صقل الروح.
من المهم المعرفة بأنه لا فرق بين روح الطفل وروح المسن فالروح هي واحدة والنفس هي واحدة والذي يشيخ هو الجسد الفيزيائي وليس الجسد الروحاني. والذي يفرّق بين الأشخاص هو تجربتهم بالحياة الدنيوية وثقافتهم ومعرفتهم ولا شيء آخر.
لذا يجب الإيمان بأن هناك حياة أخرى بعد الموت حياة ربما تكون أفضل, في بعض الأحيان ترتفع إلى أماكن روحانية وتتلبس جسد روحاني, ومنها من يختارها الله لكي تعود إلى الأرض فتتقمص وتنسخ في أجساد فيزيائية.
وبما أن هدفنا هو تطوير النقاش والإدراك والمعرفة فلا بد لي أن أذكر أيضاً وجهات نظر أخرى ونظريات أخرى. لذا فهناك فلسفة تسمى "بالواحدية المادية" تقول: "بأن النفس مؤلفة من ذرات شأنها شأن الجسد وعند الموت يفسد الجسد وينحل وتتبعثر الذرات التي تؤلف النفس ضمن الدورة الشاملة الكبرى للطبيعة..... ولا يعتبر الموت مشكلة تتطلب حلاً, فالنفس في هذه الفلسفة ليست سوى قوة طبيعية ملازمة للمادة....."
الذين يتعاملون في موضوع التأمل Meditationوالوساطة الروحانيةيعرفون حق المعرفة بأن الحياة لا تنتهي على الكرة الأرضية فقط وأن هناك أكثر من حياة وأكثر من كوكب فيه حياة أيضاً, ربما تختلف نوعية الحياة من كوكب إلى آخر ولكن الهدف واحد.
القراء الأعزاء: كتبت هذه المقالة في شهر 4/2011 وتلقيت عدّة رسائل الكترونية تتهمني بالإلحاد والكُفًر لتساؤلي ضمن المقالة إذا كانت جهنم موجودة أم لا!!!!؟؟؟؟؟.... وها نحن ومع الأيام الأولى في سنة 2014 (2.1.2014) والبابا فرانسوا يصرّح بالتالي: "اننا من خلال التواضع والبحث الروحي والتأمل والصلاة, اكتسبنا فهماً جديداً لبعض العقائد. الكنيسة لم تعد تعتقد في الجحيم حيث يعاني الناس, هذا المذهب يتعارض مع الحب اللّامتناهي للإله. الله ليس قاضياً ولكنه صديق ومحب للإنسانية. الله لا يسعى إلى الإدانة, وإنما فقط إلى الاحتضان. ونحن ننظر إلى الجحيم (جهنم) كتقنية أدبية, كما في قصة آدم وحواء. الجحيم (جهنم) مجرد كناية عن الروح المعزولة, والتي ستتحد في نهاية المطاف, على غرار جميع النفوس, في محبة الله"....
ما ذكره البابا يعزز من مصداقية مقالتي ومهنيتها.... لذا شكراً للبابا على كلماته التي أكد بها ما قلته قبل أربع سنوات من كتابة مقالتي هذه....
ملاحظة:كما ذكرت وأذكر دائماً, بأن هدفي من الموقع ومن الكتابة هي تزويدكم بالمعلومات, هناك من يوافق وهناك من يعارض على كتاباتي وهذا منطقي جداً. ومن منطلق حرية التعبير عن الرأي وإحترام الرأي الآخر أدعوكم للكتابة والنقاش البناء للمساهمة في بناء مجتمع مثقف وحضاري.
مركز العلاج البديل هو الأول والوحيد في المجتمع العربي في البلاد...
نقدم من خلاله العلاج الفردي والجماعي.. ننظم دورات مهنية في الداخل وبدول عربية مختلفة...
لا تترددوا بالإتصال معنا على الهاتف
محلي: 0503133766 دولي: 00972503133766
أو على البريد الإلكتروني في أسفل الصفحة. بالنجاح للجميع...